مقال: “إزالة النجاسة وبابها”… قراءة في كتاب يُثير الأسئلة ويحرّك العقول
في زمنٍ تتراكم فيه الموروثات الدينية وتتداخل مع مفاهيم الطهارة والشعائر، يبرز كتاب “إزالة النجاسة وبابها” كدعوة جريئة لإعادة النظر والتفكر، دون أن يتورّط في تقديم أجوبة قطعية أو فرض تصوّرات جاهزة. بل يكتفي بإثارة الأسئلة، وفتح الأبواب لعقلٍ حرٍّ يفكر ولا يقلد، ويقرأ النصوص بعين الباحث لا المقلد

الكتاب لا يقف عند حدود باب “النجاسة” بوصفه مسألة فقهية بحتة، بل يجعله نقطة انطلاق لنقاش أوسع حول الموروث الديني والفقهي. فهو يرى أن ما توارثناه من مفاهيم حول الطهارة والنجاسة قد شُكّل عبر قرون من التراكمات البشرية، وقد لا يعكس بالضرورة جوهر الرسالة القرآنية الخالصة. من هنا، يدعو المؤلف إلى مراجعة تلك المفاهيم من منطلق العودة إلى كتاب الله، وتصفيته من التحريف والتأويلات الموروثة التي قد تكون تسللت إليه من خلفيات اجتماعية وثقافية لا تمت للدين بصلة
أحد أبرز ملامح هذا الكتاب هو تركيزه على حرية الفكر، ورفضه الجمود والتقليد الأعمى. لا يُقدّم المؤلف أطروحات بديلة كأنها حقائق نهائية، بل يسأل، ويشجع القارئ على أن يتسائل بدوره، مؤمنًا أن العقل الذي يسأل هو عقل حي، وأن الدين الذي لا يُراجع يتحوّل إلى طقوس ميتة منفصلة عن تطور المعرفة ومتطلبات العصور المتبدلة
ينقد الكتاب التفسيرات المأثورة لا من باب الهدم، بل من باب الدعوة إلى إعادة القراءة. فالنص القرآني، برأي الكاتب، حيٌّ ومفتوح على التأمل والتفاعل العقلي المستمر، بينما التفسيرات القديمة تمثل في كثير من الأحيان اجتهادات ظرفية لأناس عاشوا في سياقات مغايرة. ومن هنا، فإن الجمود عند تلك التفاسير يُعدّ قيدًا على تطور الوعي الديني لا ضمانة له
لا يخفي الكتاب موقفه من الموروث العقائدي؛ إذ يدعو إلى التفريق بين ما هو من صلب الدين، وما هو من إنتاج العقول والتقاليد التي تُحترم ولكن يبقى لها موقعها في التاريخ، فتُقدّر ولا تُقدّس! وهو بذلك يُسلط الضوء على إشكالية الخلط بين النصوص الإلهية، والتفاسير البشرية التي تلبّست بها عبر الزمن، حتى باتت تُعامَل وكأنها وحي آخر
في مجمل طرحه، يبدو الكتاب وكأنه يحرّض القارئ على أن ينزع الغشاوة، وأن ينظر في دينه بعين الناقد المحب، لا المقلد الخائف المذنب. إنه يدعو إلى تصفية العقيدة من الزوائد، والعودة إلى الأصل النقي، المتجسّد في القرآن، بقراءة واعية تُراعي السياق، وتعتمد العقل، وتتحرّر من إرث الجمود.
“إزالة النجاسة وبابها” ليس كتابًا فقهياً تقليدياً، بل هو محاولة فكرية لإعادة ربط الدين بالعقل، والنص بالوعي، والنفس بالحقيقة. إنه كتابٌ لمن يجرؤون على التفكير، ويُحبّون أن يسألوا، ويؤمنون أن الدين الحق لا يخاف السؤال، بل يرحّب به